تعرض قناة الحياة حصرياً مسلسل «حريم السلطان» يومياً، وكل يوم جمعة
تعرض حلقات الأسبوع مجمعة، والواضح أن المسلسل يجد إقبالاً جماهيرياً ويحقق
نسبة مشاهدة عالية ويجذب كذلك شركات الإعلان، نحن إذن إزاء عمل ناجح
بالمعيار التجارى، والواضح أن العمل به مستوى من الإبهار فى التصوير
والإخراج.

العمل أنتجته شركة تركية خاصة، هو ليس إنتاجاً رسمياً من الدولة أو الحكومة
التركية، ويتبنى العمل الفكرة والرؤية الاستشراقية للدولة العثمانية
تحديداً وللتاريخ السياسى الإسلامى عموماً، تختزل هذه الرؤية تاريخ الدولة
العثمانية فى الحرملك والحريم، كما اختزلوا تاريخ هارون الرشيد فى الجوارى
والغلمان الذين كانوا فى قصره، المسلسل يتناول تحديداً عصر السلطان سليمان
القانونى، وهو واحد من أفضل وأعظم سلاطين آل عثمان، صعد إلى السلطة بعد
سليم الأول، كان سليم فاتحاً عظيماً وقائداً فذاً، لكنه كان متوحشاً..
سفاكاً للدماء، غير متحضر، أما سليمان فكان منفتحاً على الحضارة، والثقافة،
والعلوم وله فى ذلك إنجازات ولعب دوراً مهماً فى تقوية الدولة، والمعروف
أن كلمة «القانونى» صفة ولقب له، وليست اسماً، وقد منحه المؤرخون هذا اللقب
لحرصه على القانون والعدالة بمعيار عصره ودولته.

ويذكر لنا المؤرخ المصرى ابن إياس أن المصريين من حرفيين وصناع وفنانين،
الذين كان سليم الأول اصطحبهم معه، إلى عاصمة الدولة «الأستانة» كى يقوموا
بتعميرها، أعادهم سليمان القانونى ثانية إلى وطنهم مصر، وللدقة أعاد من بقى
منهم على قيد الحياة كان سليمان يحاول إصلاح جرائم سلفه.

الرؤية الاستشراقية تختزل السلطان سليمان فى أمر الجوارى والحريم داخل
القصر، وصراعاتهن معاً ومكائدهن النسائية، فالشرق والإسلام عموماً ينحصر
لديهم فى امرأة بالحجاب والبرقع «النقاب» وسيف للسفك وللغزو.. وسلطان
المسلمين لن يخرج عن هذا الإطار، رجل يعيش فى قصر ملىء بالنساء الجميلات،
المثيرات للغريزة الجنسية، بينهن الشقراء والسمراء، الهيفاء الفارعة
والقصيرة الماكرة.. البضة والرشيقة، وكل منهن تسعى للفوز ليس بقلب السلطان،
ولكن قضاء ليلة فى فراشه وياحبذا لو أمكن أن تعبأ بمولود ذكر.

وهناك رؤى غربية حديثة تحاول تجاوز ذلك الفهم وتتمرد عليه، فلا يمكن اختزال
إمبراطورية مترامية الأطراف فى هذا الإطار الضيق، إنه أشبه باختزال تجربة
الرئيس الأمريكى كلينتون فى علاقته بالمتدربة «مونيكا».

الغريب أن يأتى من داخل تركيا من يتبنى الرؤية الاستشراقية القاصرة
والعاجزة، ويتم صبها فى مسلسل يتم ترويجه على أوسع نطاق، والأغرب من هذا أن
يعرض ذلك المسلسل علينا باحتفاء شديد، دون أى تعليق أو مناقشة لما يرد
فيه.

لست من المحبين للدولة العثمانية، وأول كتاب صدر لى كان فى انتقاد هذه
الدولة، وحمل عنوان «أيام سليم الأول فى مصر» صدر قبل حوالى عشرين عاماً،
وحذرت فيه مما أسميته وقتها «العثمانيون الجدد» أن ننتقد الدولة العثمانية
من موقف وطنى مصرى، وأن ننتقد سياساتها التى قادت إلى تخلف المسلمين أمر
مهم، ولكن تبنى الرؤى الاستشراقية شىء سخيف وغير علمى ولن أزيد فى ذلك..
وأخشى القول إن عرض هذا المسلسل يحمل حنيناً للحرملك، عصرا وعقلية.

والله عندك حق